فصل: تفسير الآية رقم (98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (85):

{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)}
هددوه بأن يصير حرضاً- أي مريضاً مشفياً على الهلاك- وقد كان، وخوفُّوه مما لم يبالِ أن يصيبه حيث قالوا: {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}.
ويقال أطيب الأشياء في الهلاك ما كان في حكم الهوى- فكيف يُخَوَّف بالهلاكِ من كان أحبُّ الأشياءِ إليه الهلاَك؟.

.تفسير الآية رقم (86):

{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
شكا إلى الله ولم يَشْكُ مِنَ اللَّهِ، ومَنْ شكا إلى الله وَصَلَ، ومن شكا من الله انفصل.
ويقال لمَّا شكا إلى الله وَجَدَ الخَلَفَ من الله.
ويقال كان يعقوبُ- عليه السلام- مُتَحَمِّلاً بنفسه وقلبه، ومستريحاً محمولاً بِسِرِّه وروحه؛ لأنه عَلِمَ من الله- سبحانه- صِدقَ حالِه فقال: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وفي معناه أنشدوا:
إذا ما تمنَّى الناسُ روْحاً وراحةً ** تمنَّيْتُ أن أشكو إليكَ فَتَسْمَعَا

.تفسير الآية رقم (87):

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}
كان يعقوب عليه السلام يبعث بنيه في طلب يوسف، وكان الإخوة يخرجون بطلب المسيرة وفي اعتقادهم هلاكُ يوسف وكلُّ إنسانٍ وهمُّه.
ويقال قوله: {فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} أمرٌ بطلب يوسف بجميع حواسِّهم؛ بالبَصَرِ لعلَّهم تقع عليه أعينهم، وبالسَّمْع لعلَّهم يسمعون ذِكْرَه، وبالشمِّ لعلهم يجدون رِيحَه؛ وقد توهَّم يعقوبُ أنهم مثله في إرادةِ الوقوفِ على شأنه. ثم أحالهم على فضل الله حيث قال: {لاَ يَاْيْئَسُ مِن رُّوْحِ اللَّهِ إلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}.
ويقال لم يكن ليعقوب أحدٌ من الأولاد بمكان يوسف، فَظَهَر من قِلَّةِ الصبر عليه ما ظهر، وآثَرَ غيْبَةَ الباقين من الأولاد في طلب يوسف على حضورهم عنده.. فشتَّان بين حاله معهم وبين حاله مع يوسف! واحدٌ لم يَرَهْ فابْيَضَّتْ عيناه من الحزن بفرقته، وآخرون أَمرَهُم- باختياره- بِغَيْبَتِهم عنه.

.تفسير الآية رقم (88):

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)}
لما دخلوا على يوسف خاطبوه بذكر الضُّرِّ، ومقاساة الجوع والفقر، ولم يذكروا حديث يوسف عليه السلام، وما لأجله وَجَّهَهُم أبوهم.
ويقال استلطفوه بقولهم: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} ثم ذكروا بعد ذلك حديث قلة بضاعتهم.
ويقال لمَّا طالعوا فقرهم نطفوا بقدرهم فقالوا: وجئنا ببضاعة مزجاة- أي رديئة- ولما شاهدوا قدر يوسف سألوا على قدره فقالوا: {فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ}.
ويقال قالوا كلنا كيلاً يليق بفضلك لا بفقرنا، وبكرمك لا بعدمنا، ثم تركوا هذا اللسان وقالوا: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}: نَزَلَوا أوْضَعَ مَنْزلٍ؛ كأنهم قالوا: إنْ لم نستوجِبْ معاملةَ البيع والشراء فقد استحققنا بَذْلَ العطاءِ، على وجه المكافأة والجزاء.
فإِنْ قيل كيف قالوا وتصدَّقْ علينا وكانوا أنبياء- والأنبياء لا تحل لهم الصدقة؟
فيقال لم يكونوا بعد أنبياء، أو لعلّه في شرعهم كانت الصدقةُ غيرَ مُحَرَّمةٍ على الأنبياء.
ويقال إنما أرادوا أنَّ مِنْ ورائنا مَنْ تَحِلُّ له الصدقة.

.تفسير الآية رقم (89):

{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}
افتضحوا بحضرة بوسف عليه السلام وقالوا: {فَأَوفِ لَنَا الكَيْلَ} فعرفهم فعلمهم ووقفهم عند أحدهم فقال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ يعني إنَّ مَنْ عَامَل يوسفَ وأخاه بمثل معاملتكم فلا ينبغي له أن يتجاسَرَ في الخطاب كتجاسركم.
ويقال إن يوسف عليه السلام قال لهم: أنهيتم كلامكم، وأكثرتم خطابكم، فما كان في حديثكم إلا ذكر ضرورتكم.. أفلا يخطر ببالكم حديث أخيكم يوسف؟! وذلك في باب العتابِ أعظم من كلِّ عقوبة.
ولمَّا أخجلهم حديث العتاب لم يَرْضَ يوسفُ حتى بسط عندهم فقال: {إِذْ أَنتًمْ جَاهِلُونَ}.

.تفسير الآية رقم (90):

{قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}
في الابتداء حين جهلوه كانوا يقولون له في الخطاب: {يا أيها العزيز} فلمّا عرفوه قالوا: {أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ}؛ لأنه لمَّا ارتفعت الأجنبيةُ سقط التكلُّف في المخاطبة، وفي معناه أنشدوا:
إذا صَفَتْ المودَّةُ بين قومٍ ** ودام ودادُهم قَبُحَ الثناءُ

ويقال إنَّ التفاصُلَ والتفارُقَ بين يوسف وإخوته سَبَقا التواصلَ بينه وبين يعقوب عليهما السلام؛ فالإخوةُ خَبَره عرفوه قبلَ أنْ عَرَفَه أبوه ليعلَم أن الحديث بلا شكٍ.
ويقال لم يتقدموا على أبيهم في استحقاق الخبر عن يوسف ومعرفته، بل إنهم- وإن عرفوه- فلم يلاحظوه بعين المحبة والخلة، وإنما كان غرضُهم حديثَ الميرة والطعام فقط، فقال: {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِى}: يعني إني لأَخٌ لِمِثْلِ هذا لمثلكم؛ ولذا قال: {أَنَّا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِى}، ولم يقل وأنتم إخوتي، كأنَّه أشار إلى طرفٍ من العتاب، يعني ليس ما عاملتموني به فِعْلَ الإخوة.
ويقال هَوَّنَ عليهم حالَ بَدَاهَةِ الخجلة حيث قال: {أَنَا يُوسُفُ} بقوله: {وَهَذَا أَخِى} وكأنه شَغَلَهم بقوله: {وَهَذَا أَخِى} كما قيل في قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] إنه سبحانه شَغَلَ موسى عليه السلام باستماع: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] بمطالعة العصا في عين ما كوشِف به من قوله: {إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ} [طه: 14].
ثم اعترف بوجدان الجزاء على الصبر في مقاساة الجهد والعناء فقال: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
وسمعتُ الأستاذ أبا علي الدقاق- رحمه الله- يقول لما قال يوسف: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} أحَالَ في استحقاق الأجر على ما عمل من الصبر فأنطقهم الله حتى أجابوه بلسان التوحيد فقالوا: {تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} يعني ليس بِصْبرِك يا يوسفُ ولا بتقواك، وإنما هو بإيثار اللَّهِ إياك علينا؛ فبه تقدمت علينا بحمدك وتقواك. فقال يوسف- على جهة الانقياد للحقِّ-: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ اليَوْمَ}، فأسقط عنهم اللوم، لأنه لمَّا لم يَرَ تقواه من نفسه حيث نبَّهوه عليه نَطَقَ عن التوحيد، وأخبر عن شهود التقدير.

.تفسير الآية رقم (91):

{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)}
اعترفوا بالفضل ليوسف- عليه السلام- حيث قالوا: لقد آثرك الله علينا، وأكَّدوا إقرارَهم بالقَسَم بقوله: {تَاللَّهِ} وذلك بعد ما جحدوا فَضْلَه بقولهم: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}، وهكذا من جحد فلأنه ما شهد، ومن شهد فما جحد.
ويقال لمَّا اعترفوا بفضله وأقرُّوا بما اتصفوا به من جُرْمِهم بقولهم: {وإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} وجدوا التجاوزَ عنهم.

.تفسير الآية رقم (92):

{قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)}
أسرع يوسفُ في التجاوز عنهم، وَوَعَد يعقوبُ لهم بالاستغفار بقوله: {سَوْفَ أَستَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى} لأنه كان أشدَّ حباَ لهم فعاتبهم، وأما يوسف فلم يرهم أهلاً للعتاب فتجاوز عنهم على الوهلة، وفي معناه أنشدوا:
تركُ العتابِ إذا استحق أخ ** مِنك العتابَ ذريعةُ الهَجْرِ

ويقال أصابهم- في الحال- مِنَ الخجلة مقام كلِّ عقوبة، ولهذا قيل:
كفى للمقصِّر الحياءُ يوم اللقاء.

.تفسير الآية رقم (93):

{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)}
البلاءُ إذا هَجَمَ هَجَمَ مَرَّةً، وإذا زال بالتدريج؛ حلَّ البَلاءُ بيعقوب مرةً واحدةً حيث قالوا: {فَأَكَلَهُ الذَئْبُ} ولما زال البلاءُ.. فأولاً وَجَدَ ريحَ يوسفَ عليه السلام، ثم قميص يوسف، ثم يوم الوصول بين يدي يوسف، ثم رؤية يوسف.
ويقال لمَّا كان سببُ البلاءِ والعمى قميصَ يوسف أراد اللَّهُ أن يكونَ به سَبَبُ الخلاص من البلاء.
ويقال علم أن يعقوب عليه السلام- لِمَا يلحقه من فَرْطِ السرور- لا يطيقه عند أخذ القميص فقال: {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجِهِ أَبِى}.
ويقال القميص لا يصلح إلا للباس إلا قميص الأحباب فإنه لا يصلح إلا لوجدان ريح الأحباب.
ويقال كان العمى في العين فأمر بإلقاء القميص على الوجه ليجدَ الشفاءَ من العمى.
ويقال لمَّا كان البكاء بالعين التي في الوجه كان الشفاء في الإلقاء على العين. التي في الوجه، وفي معناه أنشدوا:
وما بات مطوياً على أريحية ** عُقَيب النَّوى إلا فتىً ظلَّ مغرما

وقوله: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}: لما عَلِمَ حزنَ جميعَ الأهلِ عليه أراد أن يشترك في الفرح جميعُ من أصابهم الحزن.
ويقال عَلِمَ يوسفُ أن يعقوبَ لن يطيق على القيام بكفاية أمور يوسف فاستحضَرَه، إبقاءً على حالِه لا إخلالاً لِقَدْرِه وما وَجَبَ عليه من إجلاله.

.تفسير الآية رقم (94):

{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)}
قوله جلّ ذكره: {وَلَمَّا فَصَلَتِ العِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}.
ما دام البلاءُ مُقْبِلاً كان أمرُ يوسفَ وحديثُه- على يعقوب- مُشْكِلاً، فلما زالت المحنة بعثرت بكل وجهٍ حاله.
ويقال لم يكن يوسف بعيداً عن يعقوب حين ألقوه في الجُبِّ ولكن اشتبه عنيه وخَبَرُه وحالُه، فلما زال البلاءُ وَجَدَ ريحَه وبينهما مسافة ثمانين فرسخاً- من مصر إلى إلى كنعان.
ويقال إنما انفرد يعقوبُ عليه السلام بوجدان ريح يوسف لانفرادِه بالأسف عند فقدان يوسف. وإنما يجد ريح يوسف مَنْ وَجَدَ على فراق يوسف؛ فلا يعرف ريحَ الأحباب إلا الأحبابُ، وأَمَّا على الأجانب فهذا حديثٌ مُشْكِل.. إذ أنَّى يكون للإنسان ريح!؟.
ويقال لفظ الريح هاهنا توسع، فيقال هبَّتْ رياحُ فلانٍ، ويقال إني لأَجِدُ ريح الفتنة.. وغير ذلك.
قوله جلّ ذكره: {لَوْلآ أَن تُفَنِّدُونِ}.
تَفَرَّسَ فيهم أنهم يبسطون لسان الملامة فلم ينجع فيهم قولُه، فزادوا في الملامة.

.تفسير الآية رقم (95):

{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)}
قرنوا كلامهم بالشتم، ولم يحتشموا أباهم، ولم يُراعوا حقَّه في المخاطبة، فوصفوه بالضلال في المحبة.
ويقال إن يعقوب عليه السلام قد تعرَّف من الريح نسيمَ يوسف عليه السلام، وخبر يوسف كثير حتى جاء الإذن للرياح، وهذه سُنَّةُ الأحباب: مساءلة الديار ومخاطبة الأطلال وفي معناه أنشدوا:
وإنِّي لأستهدي الرياح نسيمكم ** إذا هي أقبَلْت نحوكم بهُبُوب

واسألها حَمْلَ السلام إليكمُ ** فإن هي يوماً بلَغَتْ فأَجِيبُوا

.تفسير الآية رقم (96):

{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)}
لو أُلقِيَ قميص يوسف على وجه مَنْ في الأرض مِنَ العميان لم يرتد بصرهم، وإنما رجع بصرُ يعقوب بقميص يوسف على الخصوص؛ فإنَّ بَصَرَ يعقوبَ ذهب لفراق يوسف، ولمّا جاءوا بقميصه أَنْطَقَ لسانَه، وأَوْضحَ برهانهَ، فقال لهم: {أَلَمْ أَقُل لَكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْمَلُونَ} عن حياة يوسف، وفي معناه أنشدوا:
وَجْهُك المأمولُ حُجَّتُنا ** يومَ يأتي النَّاسُ بالحجج

.تفسير الآية رقم (97):

{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)}
كلُّ إنسانٍ وهمُّه؛ وَقَعَ يعقوبُ ويوسفُ عليهما السلام في السرور والاستبشار، وأَخَذَ إخوةُ يوسف في الاعتذار وطَلَبَ الاستغفار.
ويقال إخوة يوسف- وإنْ سَلَفَتْ منهم الجفوة- كلَّموا أباهم بلسان الانبساط لتقديم شفقةِ الأبوةِ على ما سَبَقَ منهم من الخطيئة.
ويقال يومٌ بيومٍ، اليوم الذي كان يعقوب محزوناً بغيبة يوسف فلا جَرَمَ اليوم كان يعقوب مسروراً بقميص يوسف، وكان الأخوة في الخَجلة مما عملوا بيوسف.

.تفسير الآية رقم (98):

{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}
وَعدَهُم الاستغفارَ لأنه لم يَفْرَغْ من استبشاره إلى الاستغفار.
ويقال لم يُجِبْهُم على الوهلة ليدلَّهم على ما قَدَّمُوا من سوء الفَعْلةِ، لأن يوسفَ كان غائباً وقتئذٍ، فوعدهم الاستغفار في المستأنف- إذا رضِي عنهم يوسف حيث كان الحقُّ أكثرُه له، لو كان كله ليعقوب لوهبهم على الفور.